الفصل الخامس عشر - ولدان مخلدون

الفصل الخامس عشر 


ولدان مخلدون

 


 

عندما نظرنا إلى سورة القيامة، والتي من المفترض أنها تحمل تفاصيل القيامة، لم نجد هذه التفاصيل، بل ولم نجد من التفاصيل سوى جمع الشمس والقمر، ولا شيء غير اعتياديٍّ قد حدث على الأرض. 

لكنْ في سورة الواقعة نجد تفاصيل كثيرةً، كلّها متعلقةٌ بالأرض، وهي لا شكّ كما رأينا مرتبطةٌ بالقارعة، والتي جاء التحذير منها، وطريقة التعامل معها. 

لفظ (الواقعة) ذاته يشير إلى وقوعٍ أكيد، وذِكر تعبير (الواقعة) بداية سورة الحاقة أكّد هذا الأمر وأنه واقعٌ لا محالة. كذلك فإنّ لفظ (القيامة) لم يرد أبدًا في سورة الواقعة، ممّا يؤكّد أنّ السورة تتحدّث عن أمرٍ آخر، وليس هو يوم القيامة الذي تعارف عليه التقليديون. نعم، الأحداث التي وردت في السورة تشير إلى الحساب وانتهاء الحياة، ولكن بعد فهم مدلول (الساعة) واستطاعة الإنسان إحياء الموتى، ومفهوم (الآخرة) أيضًا اختلف الأمر كثيرًا. 

لنحاول فهم هذه السورة من خلال تقسيمها إلى مجموعة مشاهد قرآنية.

 

المشهد الأول

(إِذَا وَقَعَتِ ٱلۡوَاقِعَةُ (1) لَیۡسَ لِوَقۡعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةࣱ رَّافِعَةٌ (3) إِذَا رُجَّتِ ٱلۡأَرۡضُ رَجࣰّا (4) وَبُسَّتِ ٱلۡجِبَالُ بَسࣰّا (5) فَكَانَتۡ هَبَاۤءࣰ مُّنۢبَثࣰّا (6)) (سورة الواقعة: آيات 1-6). 

بداية السورة تؤكّد على حدث الواقعة، ومعناها المُتحقِّقة، والتي لا شك فيها. ثم وصفت السورة الأحداث، والتي تطابقت مع الوصف في سورة الحاقة، إذ يصيب الأرض اضطرابٌ شديدٌ وتُبَسّ الجبال، وهو -لا شكّ- وصفٌ مطابقٌ لكون الجبال كالعهن المنفوش، أو نستطيع القول هو المرحلة التالية مباشرةً بعد مرحلة العهن المنفوش. حيث تخمد الجبال شيئًا فشيئًا، وهذه هي حالة الجبال نتيجةً للتغير في الجاذبية، لكنها لن تعود لوضعها الطبيعي من الصلابة السابقة، بل البسّ هو الوصف الدقيق لِتكويناتها بعد ما حدث نتيجة القارعة. 

سورة الواقعة جميعها تتحدث عن توابع الواقعة، وانقسام الناس، بل قل إن شئتَ إفاقة الناس من غفلةٍ كانت تُظلّهم. السورة تتكامل بصورةٍ لا مثيل لها مع مفهوم (الساعة) ومفهوم (القارعة) ومفهوم (الحاقة)، وتتقاطع تمامًا مع مفهوم (القيامة)؛ إذ إنّ الوصف التفصيليّ لنعيمٍ أرضيٍّ هو الوصف المسيطر على سورة الواقعة. 

المشهد الثاني 

يضمّ هذا المشهد القرآني فهم (أصحاب الميمنة) و(أصحاب المشأمة) و(السابقين)، وكذلك (أصحاب اليمين) و(أصحاب الشمال). 

(وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً (7) فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11)) (سورة الواقعة: آيات 7-11).

وردت مقابلةٌ بين أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة، ومن خلال تقارب الألفاظ نستطيع القول إنّ أصحاب الميمنة جاء تفصيل مدلولهم على أنهم أصحاب اليمين في الآية 27 من السورة نفسها. (وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ) (سورة الواقعة: آية 27). أمّا أصحاب المشأمة فهم أصحاب الشمال.(وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ) (سورة الواقعة: آية 41)

لفظ (يمين) أصله المنّ، وهو الفضل أو الزيادة، وأصحاب اليمين هم الملازمون للفضل والزيادة أو العطاء بمفهومنا المعاصر. أمّا أصل (الشمال) فهو شمل، ويشير إلى الاحتواء، أو كما جاء في قاموس اللغة فإنّ أصل (شمل) هو دَوَرَانِ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ، وَأَخْذِهِ إِيَّاهُ مِنْ جَوَانِبِهِ. لفظ (شمل) يصف حالةً من الأخذ والاستحواذ، بخلاف لفظ (اليمين) الذي وصف حالةً من العطاء والبذل. لفظ (المشأمة) أصلها شوم، وفي لسان العرب نجد أنّ شوم تعني (بَطْنٌ).

من خلال مدلول الألفاظ يمكننا الآن فهم المقصود بـ (الميمنة) و(المشأمة) و(أصحاب اليمين) و(أصحاب الشمال).

أصحاب اليمين 

أصحاب الميمنة أو أصحاب اليمين هم أصحاب الفضل والعطاء، وهم الموعودون بكلّ الوعود الحسنة التي جاءت في السورة، والتي لخّصتها الآيات التالية:

(فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ (30) وَمَاء مَّسْكُوبٍ (31) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لّا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ (33) وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ (34) إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37) لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38)) (سورة الواقعة: آيات 28- 38). 

السورة تحكي عن تمايز الناس إلى ثلاثة أصنافٍ من البشر، ومنهم أصحاب اليمين أو أصحاب الميمنة. وأصحاب اليمين هم ثلّةٌ من الأولين وثلّةٌ من الآخرين، بمعنى هم جمعٌ كبيرٌ من الأولين، وكذلك من الآخرين أو المتأخرين.

معنى ذلك أنه بعد الواقعة وما يحدث فيها، وبفرض استطاعة الإنسان إحياء الموتى، سوف يجتمع كلّ أصحاب اليمين من الأولين ومن الآخرين ليعيشوا حياةً طيّبةً، هي حياة الآخرة التي وصفتها الآيات. وكلّ هذه الأوصاف متوافقةٌ تمامًا مع مظاهر الحياة التي نعيشها، ولكنّها تتميّز بالوفرة والاستمرارية. 

 

أصحاب الشمال 

أصحاب الشمال أو أصحاب المشأمة هم الملازمون لما يمكن أن نُسميه الكنز أو الاستحواذ، وهم هنا على النقيض تمامًا من أصحاب اليمين. إذا كان أصحاب اليمين هم أهل البذل والعطاء فإن أصحاب الشمال هم أهل المنع والأخذ والاستحواذ. 

لاحظ أنّ الآيات تتحدّث بصفةٍ عامةٍ عن مدى فاعليّة الإنسان في محيطه، ولم تتحدّث هنا عن كفرٍ أو إيمانٍ، بل جاءت محددةً جدًا من خلال تعبير أصحاب اليمين وأصحاب الشمال. 

- لفهم الأمر جيدًا دعونا نضرب مثالًا: 

لو أنّ كارثةً ضربت بلدًا فإنّ الناس في العادة ينقسمون إلى ثلاثة أقسام؛ القسم الأول هو قسمٌ سابقٌ دائمًا، ومتقدّمٌ، ويقود، وسوف نعود لهذا القسم بعد الانتهاء من توضيح أصحاب اليمين وأصحاب الشمال. القسم الثاني هم الذين يُعطون ويبذلون ولا يبخلون، ويرغبون في أنْ تعمّ الفائدة على الجميع، وهؤلاء هم أصحاب اليمين. أمّا القسم الثالث فهو قسمٌ له تواجدٌ ملحوظٌ، وهو قسم المستفيدين، الذين يسعون بكلّ السُّبل لنفع أنفسهم على حساب غيرهم، وهؤلاء هم أصحاب الشمال. 

على مدار التاريخ الإنساني، وفي كلّ المواقف، تتمايز هذه الأصناف من الناس، فتجدهم ساعة العُسرات، وفي أوقات التطهير، وأوقات الثورات، وحتى في أوقات الإصلاح. 

صنفٌ سابقٌ دائمًا في المقدمة، وهو لا شكّ الأفضل، وصنفٌ يبذل بصدقٍ ويعطي، وصنفٌ يحاول الاستفادة قدر المستطاع والاستحواذ لنفسه. 

 

المشهد الثالث: السابقون السابقون 

جاء ذكر هؤلاء المتميزين في أوّل السورة، وهم أهل السبق والمبادرة ولو أدرك الناس لما لهؤلاء من جزاء وعطاء لتمنى الناس جميعهم أن يكونوا من السابقين. 

(وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخِرِينَ (14) عَلَى سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ (18) لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزِفُونَ (19) وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا (25) إِلاَّ قِيلا سَلامًا سَلامًا (26) (سورة الواقعة: آيات 10- 26). 

 

السّبق ليس بالأمر الهيّن، فمن أراد أن يسبق لا بدّ أنْ يكون مدركًا جيّدًا أنه سوف يدفع الثمن، لا سيما إذا كانت المجتمعات متكلّسةً ومتحجّرةً. اعتناق أيّ فكرةٍ صحيحةٍ غير سائدةٍ هو أمرٌ محفوفٌ بالمخاطر وعرضةٌ للهلاك، لا يقوم بذلك إلا أهل العزم من البشر؛ فكان الجزاء والتميّز في الآخرة على قدر ما بذلوه وتحمّلوا تبعات وقوفهم في المقدمة والصدارة. 

المثير للاهتمام هو مجموع السابقين من الأولين ومن الآخرين، فقد ذكرت الآية أنّ السابقين ثلةٌ من الأولين، بمعنى هم عددٌ كبيرٌ من الأولين، وقليلٌ من الآخرين. (السابقون) لفظٌ يشير إلى همّةٍ كبيرةٍ، بل التنافس في أن يكون الإنسان في المقدمة. السابقون يكونون فقط عند ظهور الأفكار الجديدة وفي مطلعها الأول.

 

وعندما نتحدّث عن السبق فيجب أن نُفسح المجال للإيمان قبل العقل، إذ يحتاج العقل لوقتٍ كي يعالج الأمر. أما الإيمان السليم فيحتاج -في الغالب- لقلبٍ سليمٍ يستقبل الروح، ومسلمٍ قبل كلّ شيءٍ، وهذا يمكن تفهّم وجوده بصورةٍ كبيرةٍ في العصور الماضية. أمّا في العصور المتأخّرة فإنّ السبق يكون ضعيفًا بسبب المعالجة العقلية للأمر التي تكون أكبر، وبذلك تحتاج وقتُا أطول. لا شكّ أنّ السبق موجودٌ في الآخرين كذلك، ولكنّه بنسبةٍ قليلةٍ، ولكي يحدث السبق لا بدّ من توافر أمرين، أوّلهما: نقاء القلب، وكون الإنسان مسلمًا بطبيعته بالمفهوم القرآني، وثانيهما: معالجةٌ عقليةٌ سريعةٌ وقرارٌ سريعٌ. 

السابق لا يمكن أن يكون سابقًا بعد انتشار الفكرة؛ لأنه بالتأكيد يكون واقعًا تحت تأثير الجموع، ولكنّ السابق أو السابقون هم الطليعة الأولى في كلّ أمرٍ. على الجانب الآخر عندما ذكرت السورة أصحاب اليمين، وذكرت أيضًا أنهم ثلةٌ من الأوّلين وثلةٌ من الآخرين، فهذا متوافقٌ تمامًا مع سنن الحياة. بعد استتباب الأمر وبيان الأمور بصورةٍ واضحةٍ يصبح اعتناق الأفكار ليس من الصعوبة بمكانٍ، ولذلك تجد أنّ مجموع هؤلاء والذين سمّاهم القرآن أصحاب اليمين جمعٌ كبير سواءٌ من الآخرين أو من الأولين. 

 

الغريب حقًا هو مفهوم (السابقين)، والذي يبدو من المنطق أنْ يكون في الآخرين عددٌ كبيرٌ، ولكن لا يمكن تفسير قلّتهم إلّا مِن خلال التطوّر العقلي للبشرية، والذي يجعل كلّ أمرٍ خاضعًا للبحث والدراسة المستفيضة قبل تبنّيه بشكلٍ كاملٍ. هذا الأمر خاضعٌ بالكامل للتراكم المعلوماتيّ الكبير؛ إذ إنّ وجود هذا التراكم المعلوماتيّ في شتى المجالات يجعل السبق أمرًا نادر الوجود؛ بسبب الحاجة للمراجعة والمعالجة المستمرّة. في الماضي لم يكن الأمر كذلك؛ بسبب المعلومات البسيطة للغاية، لذلك كانت سرعة اتخاذ القرار متوافرةً؛ بسبب بساطة البيانات المتاحة. 

التعبير الفريد، بل الآية المحورية التي تؤيّد فكرة استطاعة الإنسان إحياء الموتى، وتصف ببلاغةٍ لا نظير لها اجتماع الأولين والآخرين، بل وفكرة الخلود لبعض البشر، هو تعبير (وِلدانٌ مخلّدون). 

 

مدلول وِلدانٌ مخلّدون

 

(يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ) (سورة الواقعة: آية 17). 

هذا التعبير من أكثر التعابير المحيّرة، ولكنك سوف تجد أنّ وجوده له دلالةٌ ما كان لنا أن نصل إليها من دون فهم الحياة الآخرة، التي سوف يحياها الإنسان. 

لفظ (وِلدان) أصله (وَلد)، وعند البحث عن معنى اللفظ في كتاب الله وفي المعاجم سوف ندرك على الفور أنّ (وَلد) تعني حالة توالدٍ بيولوجيٍّ. معنى ذلك أنّه في هذا اليوم سوف يكون هناك وِلدانٌ؛ أي أفرادٌ من البشر، الذين جاؤوا من ولادةٍ وتناسلٍ طبيعيٍّ، ولكنّ صفتهم أنّهم (مُخلّدون). صفة الخلود تعني الملازمة والالتصاق، وليس بقاءً إلى ما لا نهاية، كما سوف يأتي في الفصل القادم. لفظ (مُخلّدون) يعني أنّهم باقون إلى أطول فترةٍ ممكنةٍ، وما ينطبق على أصحاب الجنان من الخلود ينطبق عليهم. ما معنى ذلك؟ 

إذا كان المقصود من الواقعة هو يوم القيامة، وأنّ تعبير (وِلدان مُخلّدون) يعني بشرًا جاؤوا من تناسلٍ طبيعيٍّ، فما دلالة ذلك؟ وما الاختلاف إذ كان كلّ الناس في الجنة مُخلّدين؟ 

الأمر واضحٌ هنا، وهو أنّ هؤلاء لهم حالةٌ خاصةٌ على غير العادة، وهي ولادةٌ ثمّ خلودٌ بخلاف الآخرين، الذين مرّوا بحالة الموت الأول. 

معنى ذلك أنّ الإنسان سوف يستطيع الحفاظ على الحياة، بل سوف يكون في استطاعته الخلود، وهؤلاء المخلّدون هم النتيجة الطبيعية لهذا التقدم العلمي، والقرآن يذكر ذلك صراحةً. معنى (وِلدان) أي أنّ لهم والدَين، ومعنى (مخلّدون) طول حياتهم بالشكل الذي شرحناه. بل أكثر من ذلك، هذا التعبير يدلّ على تجدّدٍ وشبابٍ دائمٍ؛ ممّا يبشّر أنّ الإنسان سوف يستطيع إيقاف شيخوخة الخلايا، وتجديدها باستمرار، على نحوٍ يصبح الإنسان في هذه الحياة الثانية أو الحياة الآخرة في حالة شبابٍ مستمرّةٍ. 

 

ما يؤيّد أنّ لفظ (وِلدان) يصف حالة الشباب، بل السن الصغيرة، هو ورود هذا التعبير في كتاب الله في سياقٍ يشير إلى هذا المفهوم: (وَمَا لَكُمۡ لَا تُقَـٰتِلُونَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَٱلۡمُسۡتَضۡعَفِینَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَاۤءِ وَٱلۡوِلۡدَ ٰنِ ٱلَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنَاۤ أَخۡرِجۡنَا مِنۡ هَـٰذِهِ ٱلۡقَرۡیَةِ ٱلظَّالِمِ أَهۡلُهَا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِیࣰّا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِیرًا) (سورة النساء: آية 75). إضافة لفظ (المستضعفين) إلى (الوِلدان) يُشير إلى أنّهم في حالة السنّ الصغير، ولكنّهم ليسوا أطفالًا، بل هم في مرحلة الشباب الغضّ. ويحتمل أنّ الشاب مستضعفٌ ولا يستطيع رد الاعتداء أو مقاومة الظلم، وهنا ليس معناه صغيرًا إلى حد الطفولة. كذلك قول الله (يجعل الولدان شيبًا) يُشير إلى صغر السنّ أو حالة الشباب التي تُميّز الوِلدان. (فَكَیۡفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرۡتُمۡ یَوۡمࣰا یَجۡعَلُ ٱلۡوِلۡدَ ٰنَ شِیبًا) (سورة المزمل: آية 17). 

لكنْ ما دلالة (يطوف عليهم وِلدان مُخلّدون) في حالة السابقين؟ 

الآيات تشرح حالة استقبال السابقين على مرّ العصور بعد إعادة إحيائهم أو بعثهم من قبل إنسان هذا العصر، والذي يبدو جليًا أنه وصل إلى مرحلة الخلود. يُطاف عليهم بأكوابٍ وأباريق، وكأنهم في حالة استقبالٍ وضيافةٍ، كذلك فإنّ تعبير (كأسٍ من معين) يُشير إلى أنّ بعض هذه المشروبات لها سببٌ مباشرٌ في عونهم ومساعدتهم في هذه المرحلة. 

الأمر أشبه بالمريض الذي خرج للتو من عمليةٍ جراحيةٍ، وما إن يُفيق إلا ويجد بجواره من يُقدّم له المساعدة ويطمئنه ويُقدّم له العلاج، وهو هنا (كأسٌ من معين). هذا التعبير الرائع كأنه يصف لنا كيف يقدم الولدان المخلدون بعض الأشربة والتي سوف تساعد هؤلاء على استعادة الوضع الطبيعي وكأنه نوع من العلاج. لو أن كل شئ يسير كما يفهم التراثيون من أنه لحظيا وبدون أي أسباب لماذا جاء تعبير كأس من معين؟ لماذا معين ويعين في أي شئ ؟ 

لفظ معين يؤكد على إن الترتيبات لا تختلف كثيرا عن الترتيبات الحالية وأن كل شئ يسير بالأسباب والتي لا شك أنها من صنع القدير. 

معذورٌ المفسّر القديم، إذ إنّ مجرد التفكير في حياةٍ أخرى سوف يستطيعها الإنسان، وسوف يسودها العدل والعلم والمعرفة، هو أمرٌ لا يمكن تصديقه؛ بسبب ممارسات الناس في هذه الأزمنة. بل إنّي على يقينٍ من أنّ الإنسان الذي عاش تحت سلطاتٍ قهريةٍ وعاين الظلم والقهر لن يستطيع إدراك هذا المفهوم بسهولةٍ؛ بسبب خبراته الحياتية السيئة. لا يمكن تخيّل تحكّم الإنسان واستطاعته إلى هذا المدى؛ بسبب عدم الثقة في الإنسان ذاته. 

إننا نرى كلّ يومٍ كيف تنقلب أحوال الناس من خيرٍ إلى سوءٍ، ومن عدلٍ إلى ظلمٍ، فكيف يمكن أن نفكر في أمرٍ كهذا؟ 

الجواب يكمن في المجتمعات الراقية، التي تسير بخطىً حثيثةٍ نحو مفهوم الإسلام. لا شكّ أنها تتعثر أحيانًا وترتبك، ولكنّ الإنسان سوف يستطيع بالنهاية، وسوف يصل إلى الحقيقة، وسوف يرث الصالحون الأرض. 

سورة الواقعة تعطينا لمحاتٍ عن شكل الحياة في هذه المرحلة، ووصفًا تفصيليًا عن ما سيكون هناك. وفرةٌ في كلّ شيءٍ ونقاء وتجدد لا مثيل له ونعيمٌ مقيمٌ. في هذه الفترة أشارت سورة الواقعة إلى حساب المجرمين، وهو أمرٌ مفهومٌ تمامًا، ليأخذ كلّ من تسبّب في الظلم والقهر أو تعطيل مسيرة البشر جزاءه. مهما حاولنا وصف هذه المرحلة فلن تستطيع عقولنا استيعاب مفرداتها وما سوف تنطوي عليه. 

ورد كذلك تعبير (وِلدانٌ مُخلّدون) في سورة الإنسان، ويعطينا لمحةً عن الحياة في ذلك الوقت ونعيمها.

(وَيَطُوفُ عَلَيۡهِمۡ وِلۡدَٰنٞ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيۡتَهُمۡ حَسِبۡتَهُمۡ لُؤۡلُؤٗا مَّنثُورٗا (19) وَإِذَا رَأَيۡتَ ثَمَّ رَأَيۡتَ نَعِيمٗا وَمُلۡكٗا كَبِيرًا (20) عَٰلِيَهُمۡ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضۡرٞ وَإِسۡتَبۡرَقٞۖ وَحُلُّوٓاْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٖ وَسَقَىٰهُمۡ رَبُّهُمۡ شَرَابٗا طَهُورًا (21)) (سورة الإنسان: آيات 19-21). 

نعيمٌ وملكٌ كبيرٌ، وثيابٌ وفضةٌ وذهبٌ، هو وصفٌ دقيقٌ لحياةٍ تشبه حياتنا، ولكنّها حياةٌ فيها وفرةٌ لا مثيل لها. 

قد يتبادر إلى ذهن بعضهم آيةٌ قرآنيةٌ يعتقد القارئ أنها تنفي الخلود صراحةً، وهي الآية في سورة الأنبياء: (وَمَا جَعَلۡنَا لِبَشَرࣲ مِّن قَبۡلِكَ ٱلۡخُلۡدَۖ أَفَإِی۟ن مِّتَّ فَهُمُ ٱلۡخَـٰلِدُونَ)(سورة الأنبياء : آية 34). الآية تخبرنا أن الله لم يجعل لبشرٍ من قبل الخلد، وهذا ما نقرؤه من خلال كتاب الله، ولكنّ تعبير (وِلدانٌ مخلدون) تعبيرٌ مستقبليٌّ بعد الوصول إلى مرحلة علم الساعة، وما يتلوها من قيام الساعة، وهذه مرحلةٌ مختلفةٌ تمامًا عمّا نعيشه اليوم، أو ما نسمّيه الحياة الدنيا. بتعبيرٍ دقيقٍ فالوصول للخلود هو باب الدخول إلى الآخرة. 

سورة الإنسان تناولت خلق الإنسان في أولها، وكنا قد تعرضنا لهذه السورة وخلق الإنسان في الجزء الثالث من كتاب تلك الأسباب، وها هي السورة تستمرّ في وصف حياة الإنسان بكلّ تفاصيلها، ومن أهم تفاصيل تلك الفترة أن يكون الإنسان فيها ذا استطاعةٍ كبيرةٍ. 

 قبل نهاية السورة جاء ذكر عِقاب أصحاب الشمال، في مجموعة آياتٍ تدلّ على أنها عذابٌ حقًا، ولكنّه ليس كما نتصوّر، بل هو عذابٌ في ظلّ وجود حياةٍ كما تُخبر الآيات: 

(وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ (43) لّا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ (44) إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (45) وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ (46) (سورة الواقعة: آيات 41-46). 

(سموم وحميم) هو أشدّ الحر، و(ظل من يحموم) هو كذلك الحرّ في الظل، فهل في النار المشتعلة منطقة ظلٍّ؟

الآيات تشير إلى ما يشبه نفي هؤلاء، أو وضعهم في منطقةٍ جغرافيةٍ كعذابٍ لهم، جزاءً عن ما اقترفوه في مسيرتهم. لقد كان هؤلاء في شكّ من البعثِ ومن جمعِهم، فردّتْ عليهم الآيات بتأكيد هذا الأمر:(قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم).

(وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47) أَوَ آبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ (48) قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ (50) ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لَآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ (52) فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55) هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (56)) (سورة الواقعة: آيات 47-55). 

الجمع الذي تكرّر في السورة -وهم الأولون والآخرون- نراه ماثلًا ومؤكّدًا مرةً أخرى في هذه الآيات، وكأنه ردٌّ على المكذبين الضالين الذين يُكذبون بيوم الدين. لم تخبرنا الآيات أنهم مجموعون ليوم القيامة كما ذكرت سورة القيامة، ولم تذكر حكمًا وفصلًا كمشاهد يوم القيامة، وإنما ذكرت (لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم).

 

الميقات المعلوم لا شك أنه هو الآخرة بمفهومها القرآني. لقد جاءت الآيات تشير إلى عذاب هؤلاء، مثل: الأكل من شجرة الزقوم، والشرب من الحميم. وكلّ هذه النشاطات نشاطاتٌ لا يمكن أن تكون في نارٍ مشتعلةٍ، بل هي أقرب إلى حياةٍ قاسيةٍ ليس فيها أيّ وسائل للراحة، ويشربون ماءً لا باردًا ولا كريمًا، ويأكلون أكلًا سيئًا للغاية، جزاءً بما فعلوا واقترفوا. 

عندما يُطالع التراثيّ مثل هذه الآيات سوف يقول لك الله قادرٌ على كلّ شيء أو الله أعلم. ونحن نعلم أنّ الله أعلم، ولكنّ الأفضل إن لم يستطع الإنسان تدبّر آيةٍ أن يقول: لا أعلم، بدلًا من إضلال الناس وإيهامهم أنّ أحداث القرآن أسطوريةٌ، وأنّ ما يقصّه القرآن هو صورة مجازيّةٌ. الأحداث والتفاصيل واختلاف المفردات والتعبيرات جاءت لتخبر الإنسان بحقائق غائبةٍ، عنه وعن مصيره، ولم تأتِ عبثًا أو هباءً كروايةٍ من بنات خيال كاتبها. 

من أغرب ما سمعت في تفسير الآيات التي تخبر أنّ أهل العذاب يأكلون ويشربون، هو قول بعضهم: إنّ الله سوف يُغيّر خلقهم، ويجعلهم يأكلون ويشربون في النار. 

من أين أتى هذا التصوّر وليس عليه دليلٌ في كتاب الله؟ ولماذا لا نذهب مباشرةً إلى النتيجة ونفهم أنّ هذه ليست نارًا مشتعلةً؛ بل حياةً قاسيةً جدًا؟ مفردات القرآن واضحةٌ؛ ولكنّ الناس لم يتعوّدوا على الوضوح، فكان لزامًا أن يضعوا أطنانًا من الأساطير فوقها حتى تبدو عجيبةً من وجهة نظرهم. 

في نهاية سورة الواقعة مشهدٌ مثيرٌ للغاية، ومتوافقٌ مع سياق السورة بصورةٍ عجيبةٍ، وهو مشهد إعادة الحياة، والذي فُهم على أنه ساعة مفارقة الحياة. 

المشهد الرابع: إعادة الحياة 

 

(فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لّا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (87) فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ باسم رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96)) (سورة الواقعة: آيات 83-96). 

 

كل التفاسير تقول إن هذا المشهد هو مشهد مفارقة الروح للجسد، ولكن من خلال معطياتنا الجديدة نرى أنّ هذا المشهد يُلخّص ويشير بصورةٍ بليغةٍ إلى مشهد إعادة الحياة، أو نقطة جمع الأولين بالآخرين. 

مفتاح فهم هذه الآيات يكمن في لفظ (الحلقوم)؛ إذ من خلال فهم مدلول الكلمة يمكن أن نفهم المقصود في هذا المشهد القرآني الجليل. 

أصل (الحلقوم) هو حلق، وفي قاموس اللغة جاء أصل (حلق) الْحَاءُ وَاللَّامُ وَالْقَافُ أُصُولٌ ثَلَاثَةٌ: فَالْأَوَّلُ تَنْحِيَةُ الشَّعْرِ عَنِ الرَّأْسِ، ثُمَّ يُحْمَلُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ. وَالثَّانِي يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْآلَاتِ مُسْتَدِيرٍ. وَالثَّالِثُ يَدُلُّ عَلَى الْعُلُوِّ. 

المعجم الاشتقاقي ذكر أن مادة (حلق) هي زوالُ وَسَط مادةٍ قويةٍ مع بقاء مُحِيطه شديدًا، كذهاب الطعام من وسط الحَلْق وكذهاب التراب من المجاري والأودية. المعجم الاشتقاقي يصف تمامًا حالة التحليق المعروفة، فعندما يُحلّق الطائر عاليًا أو الطائرة، كأنما يدفع الهواء إلى أسفل فيرتفع إلى أعلى. أعتقد أن لفظ (حلق) الذي يُقصَد به إزالة الشعر إنما هو معنىً فرعيٌ للغاية، بل يبدو أنه عرف طريقه للمعجم من خلال تفسير المفسر لآيتين في كتاب الله تتحدثان عن حلق الرأس، فظنّ أنها تعني إزالة الشعر. وسوف نتعرّض لحلق الرأس في فصل الحج، لنكتشف مزيدًا عن لفظ (حلق). 

لفظ (حلق) يشير إلى ما يُشبه بلغتنا المعاصرة التحليق. التحليق يجمع من صفات الكلمة الحركة الدائرية والعلو، وهذا هو أصل كلمة (حلق). 

عندما فسّر المفسر التقليدي هذه الآية قال إنّ الآية تشير إلى تجمّع الناس حول المُحتَضَر، وهم ينظرون إليه حال طلوع روحه، والقرآن يتحدّى هؤلاء أن يرجعوها إن كانوا صادقين.

لا أدري لماذا يُصرّ الإنسان القديم على وضع الله موضع المتحدي للإنسان، ولا يدرك أنّ الله إنما يبلغ الإنسان أمرًا ما. هل يعقل هذا القدر من الآيات التي قال فيها المفسر أنّ الله يتحدى الإنسان تارةً، والكافر تارةً على وجه التحديد؟ لماذا هذه النظرة القاصرة للإله؟ هل الإله في حاجةٍ لمثل هذا التحدي؟ وهل هذا التحدي من باب الهداية التي يحملها القرآن؟ القرآن لم يأتِ ليتحدّى أحدًا، بل جاء ليُخبر الإنسان بحدود استطاعته، وكيفية تحقيقها، ويشير إلى المعرفة خلف كلماته وتعبيراته. 

الآية لم تذكر لفظ (النفس) أو (الروح)، ولكنّها ذكرت تعبير (بلغت الحلقوم) فقط، والذي قال المفسر عنه أنها الروح. الروح كما ذكرنا لم تأتِ في القرآن ولو مرةً واحدةً بصيغة المؤنث. كذلك لم يرد في أيِّ آيةٍ من آيات القرآن أنها تخرج، بل كلّ ما جاء فيها أنها تنزل وتوحي وتعطي الحياة. 

على الجانب الآخر، وبناءً على مفهوم (النفس) الذي تناولناه فإن خروج النفس لا يمكن أن يعود، فالنفس عمليةٌ مستمرةٌ ومجموعةٌ من المخرجات. الآية لم تُصرّح بالروح، وهذا أمرٌ بدهيٌّ، وكذلك لم تصرّح بالنفس؛ لأنّ خروجها لا يعني عودتها هي ذاتها. الخطوط العريضة للحياة هي عملية تنفّسٍ تبدأ بالأكسجين وتنتهي بإخراج ثاني أكسيد الكربون. الروح هو الأكسجين والطاقة التي يحملها الأكسجين، وهو الركن الأساسيّ المسؤول عن الوعي والإدراك. يمكن للإنسان أن يتنفّس الأكسجين، ولكنّ وعيه غائبٌ؛ لأنّ استقبال الطاقة عن طريق الفؤاد لا يتمّ، أو قد يكون الإنسان مدركًا بدرجةٍ ما، ولكنه لا يفقه أيضًا بسبب صدأ أو تلفٍ أصاب الفؤاد. 

الآيات تتحدث عن الحياة بصفةٍ عامةٍ، وهي العمليات الحيوية التي من ضمنها استقبال الروح وخروج النفَس مفرد أنفاس. لو أنّ الآيات تتحدّث عن لحظة احتضارٍ فإنّ الحياة لم تغادر بعد حتى يرجعوها، بل الأنسب أن يستبقوها. الآيات تتحدّث عن حالةٍ لم تعد موجودةً بالفعل؛ لذا هناك محاولةٌ لإرجاعها. 

ما يُحلّق حول الجسد -من خلال فهمي- هي النفس، وهي الطاقات التي خرجت في أثناء حياة هذا الإنسان خلال عمليات تنفسه (الزفير)، وهذه الطاقة نفسها لن تعود للجسد بل يكفي أن تتصل بالجسد حتى يمكن إعادة الإنسان إلى وعيه مرةً أخرى. بذلك أرى أن التحليق خاصٌّ بالنفس، أما لفظ (ترجعونها) فيشير إلى الحياة ذاتها، والتي سوف تعود عن طريق أمرين، هما: اتصال الجسد بالنفس، ثمّ ضخّ الأكسجين (الروح) في الجسد. 

عندما تتباطأ دقات القلب فإنّ أحدًا لن يقول أنه يريد إرجاع القلب للعمل، بل يحاول الجميع استبقاء القلب يعمل أو تنشيطه، أمّا في حالة توقّف القلب نهائيًا فتكون المحاولات قائمةً بالأساس على إرجاع القلب للعمل. هذا الفرق الدقيق هو ما يوضّح ما الذي يودّ الحاضرون إرجاعه وليس استبقاءه. إرجاع الشيء يعني أنه غادر بالفعل. 

لفظ (ينظرون) يمثل أيضًا حالةً من التأمّل والترقّب، وليس حالة حزنٍ أو ما شابه. المشهد القرآني يأخذنا إلى ما يشبه غرفة الاختبار أو غرفة التحضير لإعادة الحياة. شخصٌ مستلقٍ في غرفة، وقد تمّت جميع العمليات الأساسية عليه، فإذا حانت ساعة الاسترجاع، وتمّ -على سبيل المثال- التعرّف على النفس -والنفس كما ذكرنا في الفصل الثالث هي مخرجات هذا الشخص، وهي طاقةٌ نعتقد أنها تتمركز حول الشخص ذاته- ومن ثمّ وضعها على مقربةٍ من الجسد، وكأنها تُحلّق حول الجسد، ولم يبق إلا الشرارة التي تجعل هذا الإنسان يفتح عينيه ويعود للحياة. هنا يخبرنا الله أنّ هناك سرًا هو ما سوف يجعل النفس تتصل بالجسد أو تدبّ الحياة في الجسد، لا يملك معه الإنسان أي قوةٍ، ولكنه بيد الله.

عندما نقارن بين الآيات التي تحدثت عن بعض البشر الذين ليس لهم في الآخرة من خلاق، بمعنى ليس لهم وجودٌ ماديٌّ، ونضمّ هذه الآيات لهذا المشهد الذي بين أيدينا، ندرك أن عملية إحياء الموتى ليست عمليةً مطلقةً، بل هي مرتبطةٌ بأشياء أخرى، قد تكون مخرجات هذا الإنسان، وكيف أن هذه المخرجات هي مَا سوف تمنح الإشارة النهائية للعمل أو عدم العمل. 

كثيرٌ من الأمور العلمية تحدث الآن، وعندما تحاول إيجاد تفسيرٍ لها يكون الرد: لا نعلم على وجه التحديد ماذا حدث. هذه الآيات التي بين أيدينا من هذا النوع، بل هي الإعلان عن وجود المدبّر، وعن إذن الله الذي لن تحدث من دونه إعادة الحياة أو خلقٌ من الجماد إلا بإذنه. 

(فلولا إن كنتم غير مدينين) تعني لو كنتم تعملون بصورةٍ حرةٍ ومن عند أنفسكم، أو لو أن الأمر كله لكم وتتحكمون في كل جوانبه فأرجعوا الحياة مطلقًا. هذه الآية تأخذنا إلى القول بأن عودة الحياة لا تجري بصورةٍ مطلقةٍ، بل سوف يظل هناك سرٌّ يقف الإنسان عنده حائرًا. هذا السر هو ما يعلن دومًا عن الإله، فليس الإنسان ذاته هو الإله. 

الأمر يُشبه أن يفعل الطبيب كلّ ما في وسعه لإنقاذ مريضٍ، ولكن مع ذلك قد يموت المريض. الآية تخبرنا أن هناك سرًا سيظل كامنًا خلف عودة الحياة، وأنها لن تعود كحدثٍ يمكن أن يحدث بصورةٍ عاديّةٍ أو آليةٍ. قد يفعل الإنسان كل شيءٍ في هذا الزمن المتقدم ولكنّ الحياة قد تعود وقد لا تعود، أي ليس هناك ضمانٌ مئةً بالمئة لعودة الحياة. 

الآيات التي تحدثت عن بلوغ الحلقوم، وإن كانت نفتْ ضمنيًا استطاعة الإنسان إرجاع الحياة مطلقًا، إلا أنها توافقت مع ما أخبر به الله في مواضع أخرى، بأنّ بعض الناس لا خلاق لهم. أيْ هناك مَن سوف يعود، وهناك مَن لن يعود، والإنسان لا يملك في ذلك حيلةً، رغم ما وصل إليه من علمٍ ومعرفة.

ما يؤيّد هذه الفرضية هو قول الله (فأمّا إنْ): (فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89)) (سورة الواقعة: آيات 88-89). 

قول الله (رَوح) يشير إلى أنّ المشهد السابق هو مشهد إعادة الحياة وليس خروجها، فالروح هي دليل الحياة، إذ بمجرد إعادة الحياة يستعيد الإنسان وعيه من خلال الروح، ولا شك أنّ الريحان هو الرائحة الطيبة، وهي أول ما تلاقي العائد من الموت فتطيب بها نفسه. لو لم يكن لنا في هذا المشهد القرآني إلا لفظ (الروح) لأدركنا على الفور أن المقصود هو عودة الحياة وليس مفارقتها. 

الفئة الثانية هم أصحاب اليمين، وهم أهل الفضل والزيادة، وهم أقلّ درجةً من السابقين كما بيّنّا. معنى (سلامٌ لك من أصحاب اليمين) أي يستقبلهم أهل الفضل والمنّ ويبشّرونهم. يبدو أن هذا العصر ليس فيه سابقون، وهذا متوافقٌ مع حالة العلم التي تكشّفت وتحقّقت، ولم يبق إلا أصحاب اليمين، وهم الذين يستقبلون الصالحين من الأزمنة الماضية. هذه الآية تشير إلى الحقيقة التي توصّلنا إليه بصورةٍ مذهلةٍ؛ إذ تقول إن مَن سوف يكون في استقبال أصحاب اليمين آخرون هم كذلك أصحاب اليمن. لم تقل ملائكة، بل قالت مباشرةً: (سلامٌ لك من أصحاب اليمين). لا يكون السلام إلا من موجودين بالفعل في استقبال أصحاب اليمين الذين ماتوا في الماضي. 

من الملاحظات العجيبة في مجموع الآيات التي بين أيدينا هي الآية التي تقول: (وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) (سورة الواقعة: آية 90-91). 

الفئة الثالثة فئة المكذّبين والضالين الذين يلزم معاقبتهم على ما اقترفوا، وهؤلاء جاء استقبالهم كما ذكرت الآيات: 

(وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94)) (سورة الواقعة: آيات 92-94)

(نُزُلٌ من حميم) تشير إلى إعادة الحياة مرةً أخرى وليس مفارقتها، وإذا كان الرَّوح والريحان نصيب المقرّبين فإنّ الألم أو الشهيق المرهق هو نصيب المكذّبين. يبدو جليًا أنّ حالة إعادة الحياة أو اتصالها من جديدٍ بالإنسان ليست نفسها مع جميع الناس، فمنهم من يعود كالنسيم، ومنهم من يعود شهيقًا، وكلّ ذلك مرتبطٌ دون شكٍّ بالنفس أو المخرجات السابقة لهذا الجسد. وسوف نأتي بالتفصيل على مفهوم الجحيم المذكور في الآيات في الفصل القادم، وهو لا يعني نارًا مشتعلةً؛ ولكنّه يعني التعرّض لدرجات حرارةٍ مختلفةٍ وحياةٍ قاسيةٍ. 

عندما ننظر إلى الآيات نظرةً شموليةً سنجد أنّه لا وجود لمفهوم يوم القيامة الشامل، وهو يوم الفصل، أو اليوم الذي يحكم الله فيه بين العباد. هذا التواصل في المعنى، وعدم وجود فارقٍ يُشير إلى الحساب، جعل بعض المفسرين يقول أنّ هذا الأمر يشير إلى نعيم القبر وعذابه. هذا الأمر يبدو بعيدًا الآن بسبب آياتٍ كثيرةٍ وصفت هذه الفترة بمتعٍ حسيةٍ، مثل الطعام والشراب ممّا يجعلها أكثر اتساقًا مع المفهوم الذي توصّلنا إليه من خلال هذا الكتاب. 

أتفهم جيدًا أنّ هذه المفاهيم الكثيفة، والتي تُصوّر حياةً حقيقيةً يقوم عليها الإنسان، جعلت الشُرّاح ينزعون بكلّ قوةٍ إمّا إلى البرزخ وحياة البرزخ، وهو مفهومٌ لا وجود له في القرآن، وإمّا للقول بالمجاز، وهو قولٌ عظيمٌ لا يصحّ ولا يليق بكتاب الله. أعتقد بعد وضوح مفهوم (الآخرة) وامتدادها الطبيعي مع الحياة الدنيا، والفواصل التي تحدّثنا عنها، نستطيع الآن أنْ نقول إنّنا على الطريق السليم، وأنّ الأمور بدأت في الوضوح والتجمّع وتكوين الصورة الكلية، بدلًا من الاختلافات الكثيرة والتناقضات التي حاول المُفسّر طرحها جانبًا عن طريق الاجتهادات الشخصية. 

قبل أن نغادر مفهوم الواقعة ونصل إلى المحطة الأخيرة في هذا الفصل، لدينا ملاحظةٌ على تعبير (عيشةٍ راضية) الذي جاء بعد وصف القارعة وبعد وصف الواقعة. 

- بعد وصف (القارعة) جاء التعبير الآتي: 

(فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ (7)) (سورة القارعة: آية 6-7)

- وبعد وصف (الواقعة) جاء التعبير الآتي:

(فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23)) (سورة الحاقة: آيات 19-23). 

في حالة القارعة والتي رأينا أنها حدث اصطدامٍ يصيب الأرض، وأنّ ثقل الموازين كفيلٌ بحفظ الإنسان، جاء التعبير بالقول: (فهو في عيشةٍ راضية) دون الإشارة إلى جنةٍ عاليةٍ أو أيّ شيءٍ من هذا القبيل؛ لأنّ الوضع وقتها ليس فيه رفاهيةٌ، فهو يشبه وقت الخروج من كارثةٍ. 

أما (الواقعة) والتي هي من توابع القارعة فقد جاء (تعبير عيشة راضية) لمن أوتي كتابه بيمينه، ثم تبع ذلك تفصيل هذه العيشة، من خلال القول في جنةٍ عاليةٍ قطوفها دانية. بعد (القارعة) ثم (الواقعة) وهي الامتداد الطبيعي للقارعة والاستقرار النسبي بدأ الناس يجنون الثمار، والتي تمثّلت في قول الله (جنة عالية) ومن ثمّ أوصاف هذا النعيم. 

المعاني الحقيقية لكلمات القرآن تكاد تعلن عن نفسها، وتبدو شديدة الوضوح، ولكن -للأسف الشديد- التعامل مع القرآن بعقلية الخيال والشعر هو ما أودى بكلّ هذا القدر من المعارف، وجعله يبدو وكأنه أمرٌ شديد الغرابة. أتوقّع إنكارًا لا مثيل له لمثل هذه الفرضيات؛ لأن الإنسان بطبيعته يبحث عن ما يثبت به إيمانه الذي ترسّخ في ذهنه، أمّا التدبر والتعقّل فهو نهج القليل من البشر. 

 

المشهد الخامس: (فَسَبِّحۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلۡعَظِیمِ)

ورد هذا التعبير العظيم في ثلاثة مواضع في كتاب الله، كما ذكرنا من قبل، وهي سورة الواقعة الآيتان 74 و96، وسورة الحاقة الآية 52. 

هذا التعبير جاء في معرِض الحديث عن حياةٍ بعد أحداثٍ عظيمةٍ سوف تحدث على الأرض، ولو تتبّعنا صيغة التسبيح في كتاب الله لوجدنا أنها دائمًا كانت بصيغة (سبِّحْ بحمد ربك).

(تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتُ ٱلسَّبۡعُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَن فِیهِنَّۚ وَإِن مِّن شَیۡءٍ إِلَّا یُسَبِّحُ بِحَمۡدِهِۦ وَلَـٰكِن لَّا تَفۡقَهُونَ تَسۡبِیحَهُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ حَلِیمًا غَفُورࣰا) (سورة الإسراء: آية 44). 

التسبيح كما أوردنا في كتاب قولًا ثقيلًا هو الحركة الدائمة، والحمد هو الطاقة، وتحديدًا الطاقة الحرارية التي أفردنا لها صفحاتٍ في الكتاب السابق. 

مدلول الكلمات منسجمٌ بصورةٍ لم يسبق لها مثيلٌ مع المدلول الفيزيائي أو القوانين الكونية التي لدينا معرفةٌ ببعضها؛ ممّا جعل التسبيح والحمد -في الغالب- أساس كلّ شيءٍ في هذا الكون. عندما يقول ربنا (سبِّح بحمد ربك) فهذا ملموسٌ ومدرَكٌ من خلال المشاهدات والملاحظات، إذ الكلّ في حركةٍ، ومصدر هذه الحركة الطاقة. 

 

عندما قال: (فسبح باسم ربك العظيم) فهنا تأتي المفاجأة.

من خلال الآية التي جاء فيها ذكر حملة العرش الثمانية، والتي بحسَب تحليل اللفظ القرآني كانت تشير إلى مفهوم زيادة الدورات من السباعية إلى الثمانية؛ ممّا يعني زيادةً في كلّ شيءٍ، بل اختلافًا قد يطال أشياء كثيرةً للغاية. (وَٱلۡمَلَكُ عَلَىٰۤ أَرۡجَاۤىِٕهَاۚ وَیَحۡمِلُ عَرۡشَ رَبِّكَ فَوۡقَهُمۡ یَوۡمَىِٕذࣲ ثَمَـٰنِیَةࣱ) (سورة الحاقة: آية 17). 

تأتي هذه الآية لتضع إشارةً على تغيّرٍ من أعظم التغيُّرات، وهو أنّ الحياة الدنيا تسير تبعًا لقانون التسبيح بالحمد، أمّا الآخرة فتسير بقانون التسبيح باسم ربك. إن كُنّا قد أدركنا معنى (الحمد) وهو الطاقة الحرارية، فإنّ مفهوم التعبير القرآني (اسم ربك) يكاد يَذهب بالعقل. 

اسم الشيء يعني صفاته كما بيّنا ذلك في أكثر من موضعٍ في سلسلة كتب تلك الأسباب، فيصبح معنى (سبِّحْ باسم ربك) تعني تحرّك بصفات ربك، وهذا يعني أنّ الإنسان سوف يمتلك قدراتٍ غير عاديةٍ. هذا ليس معناه أنّ الإنسان سوف يصبح إلهًا؛ ولكنّ معناه أنّه بالفعل قد دخل مرحلة كونه أداةً من أدوات الإله. استطاعة الإنسان سوف تتضاعف بصورةٍ مذهلةٍ، إذ تصبح الحركة من خلال مؤثِّرٍ مختلفٍ عما كانت عليه في الحياة الدنيا. كلّ الدلائل تقول إن الإنسان في طريقه للرّقي والتطوّر ليصبح أداةً من أدوات الإله في هذا الكون، وأهمّ تطوّرٍ على الإطلاق هو التحوّل من السباحة والحركة عن طريق الطاقة إلى السباحة والحركة عن طريق اسم الله العظيم مباشرةً. أعتقد أنّ هذه المرحلة هي المرحلة التي قد يكون فيها الإنسان قادرًا على التحرُّك الآنيّ، والذي جاء ذكره في الجزء الثاني من سلسلة كتب تلك الأسباب، بل ربما الانطلاق نحو الفضاء والسموات واستعمارها. 

ينتظر الإنسان مستقبلٌ واعدٌ بشرط أن يعرف مهمّته، ولا يأخذه الغرور، وما هي إلا لحظاتٌ معدودةٌ بعمر الكون إلا ويكون الإنسان أمام واقعٍ مختلفٍ، فإمّا نعيمٌ مقيمٌ أو تصلية جحيم. 

 

ملخص الفصل 

  • الواقعة مرحلةٌ بعد القارعة، وسوف تحدث على الأرض، وبعدها سوف يحدث تغيّرٌ كبيرٌ في كلّ شيءٍ.
  • وسوف يتخلّل هذه المرحلة استطاعة الإنسان إحياء الموتى وخلق الحياة. 
  • تعبير (وِلدانٌ مُخلّدون) يشير إلى إنسان هذا العصر، والذي سوف يعيش حياةً خالدةً. 
  • من أبلغ التعبيرات التي ناقشها الفصل تعبير (فسبّح باسم ربك العظيم) الذي يشير إلى تغيّر حركة الإنسان، والتي كانت (بحمد ربك) إلى التحرك (باسم ربك العظيم)، وهي الحركة التي لا يمكن التنبّؤ بحدودها. 

 

Comments

Popular posts from this blog

الفصل الرابع - سدرة المنتهى

الفصل الثاني - مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ

الفصل العاشر - علمٌ للساعة